من اين جاءت هده النحلة؟
صفحة 1 من اصل 1
من اين جاءت هده النحلة؟
من أين جاءت هده النحلة؟
كانت تنزل من السيارة التي تقلهم إلى المدرسة حيث تعمل, أغلقت الباب وراءها ورفعت رأسها لتبدو لها من بعيد" المجموعة "واقفة مع السيد المدير.
لقد سبقنا البعض, همست لصديقتها التي نزلت من الجهة الأخرى.
الله يخرج هاد النهار على خير
خطواتها كانت تتباطأ كلما اقتربت من باب الإدارة, و هي تحاول جاهدة الا تنغطس قدماها في تلك الرمال المتراكمة في الساحة, و أن تركز أكثر في مشيتها. رأسها كان منحنيا إلى أسفل, و مرة بعد أخرى كانت ترفعه لتجد تلك العيون الملتصقة بالحائط تراقبها خلسة. اغلبها متكئا يبحث عن الظل في هدا اليوم القائظ من شهر شتنبر ,و المديرالتربيعي الشكل المميز بوجهه المفلطح وشعره المشتعل شيبا, يرفل بينهم بسروال قديم و قميص باهت قصير الأكمام.
من المؤكد أن ثمنهما لا يتجاوز بضع دراهم في الجوطية , حدثت نفسها وهي تقترب منهم
أصبحت تكره أيام هده الاجتماعات, كل واحد يراقب الأخر, كل واحد يخاف من الأخر, كل كلمة تقال تحتسب, كل حركة تقوم بها إما لك أو عليك. عمل صعب أن تشعر بأنك مقيد, وهي تعبة , مرهقة....
أنها تسبح ضد تيار عنيف مند ما يقارب ثلاث سنوات, تململت في مشيتها, تشعر بتوتر و بشرارات الاستهزاء و الكراهية تنبعث من عينيه و عيون المتملقين إليه...
لم لا انضم إلى القافلة
سؤال بدا يطرح نفسه بحدة في الآونة الأخيرة, من يقبل أن يبيع نفسه, فأي ثمن ستدفعه له سيكون بخسا. هدا ما يقوله المغاربة الأحرار, لمادا لا تشترينه؟ لمادا لا تعطينه ما يرغب به؟ بضع دراهم أو آلاف و ستصبحين من الفئة المحظوظة التي تحوم حوله و ستعملين في أجواء مريحة و ستعودين إلى أطفالك وزوجك في المساء مبتسمة و ضاحكة غير حانقة و غاضبة.
هدا الرجل القادم من أقصى شرق المغرب إلى أقصى غربه, ليملئ(قرابه) كما يقول, رجل غريب؛ سنتين أو ثلاث هي ما يفصله عن التقاعد؛ ما كف عن قول دلك مند قدومه يسكن في هده المدرسة النائية , كل من يعمل هنا يأتي صباحا ويعود إلى المدينة, إلى بيته, بعد الزوال, في رحلة يومية ممتدة إلى سنوات وربما إلى الأبد.
الكل يعود إلى حيث الأولاد, او الزوجة ,أو الزوج والأهل. وينسى معاناة السفر اليومي بمجرد دخوله إلى بيته. لكن هدا الشرقي الدي يعتز بشرقيته لدرجة احتقاره لغربية الآخرين, قرر أن يسكن هنا و يشرب ماء البئر غير المعقم, و يتناول طعامه في أواني شبه مغسولة ,و ينام على طاولات الأقسام بين أحضان كل الحشرات المتجولة في الغابة المحيطة بالمدرسة.
هدا هو مديرنا "أرجوكم ضعوني في إطاري"و هدا ما يكرره دائما بمناسبة أو بدونها, إطاره كمدير. وكأنه يقول "أرجوكم املئوا جيوبي بالنقود وألا ملئت ملفاتكم الإدارية بالاقتطاعات والاندارات والاستفسارات... قرابي لا يزال فارغا وهو لن يمتلأ أبدا, هاتوا ما لديكم. "
"السلام عليكم". قالتها بعد أن وجدت نفسها أمامهم, بعضهم ردها, و بعضهم تحركت فقط شفتيه, كأنه يهم بقول شيء ما, ثم عادت لتلتصق ثانية مع بعضها البعض. أما البعض الأخر فقد بقي جامدا وكان لا احد وصل أو جاء أو سلم.
"أنا لا أريد الكلام مع هده"وأشار إليها "كرشها كبيرة"
"أنا أم أنت يا دو البطن المنتفخة بأموال الحرام"همست لنفسها وقالت بصوت مسموع"مادا هناك يا استاد؟ لمادا؟ ما الأمر؟"
"ألا تعرفين مادا؟ لقد ولدت على خير, وأقمت حفلا ولم تقومي بدعوتي. ألا تذكرين؟"
في تلك اللحظات السعيدة التي عاشتها وهي ترى دلك الصبي الوسيم بين ذراعيها. أخر شيء كان يمكن أن تفكر به, هي أن ترى وجهه القبيح . لم يكن كذلك سوى بأعماله السيئة, انه مثال للخبث والشر, إنها بعمر إحدى بناته وهو لا يرحم أحدا. اعملي ما طاب لك العمل. واضبي و اتعبي أمام الله. لكن ترقياتك انسيها تماما, بل احذري أن تتراجعي في درجاتك أو سلمك مع هدا المدير الشرير. فقط لأنك لم ترمي له بشيء...
"في النصاف, إلى بغيتي نخلصو نخلصو واخا أنا كلت راك فبركان, ف الصيف وماغاديش تقدر تجي. أنا نجيب ليك حقك قدام الاساتدة كاملين."هتفت بأمانة من يريد الخلاص فقط
"أنا لا أريد أكلا وفوق هدا لن آكل طعامك أنت بالذات"
"فلتأكل السم إن شاء الله يا دو الوجه المفلطح"ترددت كلمات الجملة الأخيرة في أعماقها دون إن تستطيع الخروج. وتابعت"اعرف ما تريد, أنت لا تريد أكلا. أنت تريد مالا. وقد ضقت درعا ببخلي. إني ادعوك لله رب العالمين."
كان وجهها قد أصبح احمرا, وشعرت بالخجل والتوتر أمام الجميع, فهاهي تعرض عليه إن تجلب له نصيبه من الوليمة, ولكنه يرفض بتعنت.
"استاد هل يمكن أن أكلمك دقيقة على انفراد"خرجت الكلمات واضحة وبأدب بالغ.
تحرك من مكانه, و تقدم بضع خطوات إلى مساحة فارغة بين قسمين, تبعته بخطواتسريعة. إنها ورقة من فئة مائتي درهم, زرقاء سماوية كصفاء سماء دلك اليوم. أحكمت فبضتها على الورقة, يجب أن تتخلص من هدا العذاب اليومي, لمادا أوجدت النقود؟ أليس لتشتري بها راحتها. و ستفعل دلك...... الان.
ثلاث سنوات من الصراع ستنتهي هدا اليوم. هده اللحظة ستعطيه ما يرغب به و ستنضم إلى قافلة من احتقرتهم من قبل. ستصبح مثلهم. لان هدا العالم غابت فيه العدالة, وغاب فيه الشرف, وكل رموز الفضيلة. إنها كالقادمين من عالم أخر, تبا لكل تلك الكتب التي التهمتها و هي صغيرة ... وهي كبيرة. فقد عمقت فيها الإحساس بان لا حياة دون كرامة أو مبدأ. لكنها جعلتها تعيش, و هوة ساحقة تفصلها عن العديدين. إنها معزولة, وحيدة لا تعرف كيف تتملق كالآخرين لا تعرف كيف تكذب كالآخرين.
"آدا أجمعت الجماعة انك اعمي فاحمل عكازك"قالها لها مدير سابق حكيم في محاولة لنصحها بالا تسبح كثيرا ضد التيار. تتذكر أنها بقيت مندهشة لفترة و هي تسمعه يقول دلك"ألهده الدرجة أرى بعيوني, ولكن ادا قال الجميع أني عمياء يجب أن أتصرف كالعميان يجب أن ادعي أني لا أرى"
"نعم مادا هناك؟"مادا تريدين؟"
أفاقت من أفكارها لتجد نفسها وجها لوجه أمام كتلة الشعر البيضاء , كانا لا يزالان في ساحة المدرسة. وبعض الاساتدة يتوافدون والمجموعة الأولى تقف غير بعيدة عنهم, يتكلمون ويتبادلون المجاملات و الابتسامات باقتضاب.
شعرت بالعرق يتسرب باردا إلى يدها وهي تقبض بشدة على الورقة المالية.
"استاد انا لم أقم بدعوتك.....
كانت تحاول التكلم بسرعة, وكأنها تريد التخلص من كلمات حبيسة, و يدها ترتفع في نفس الان في اتجاهه, لتسلمه الورقة. لكن فجأة تحولت الكلمات والحروف المبعثرة إلى صرخة الم مدوية
"ااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ااي"
رجعت يدها إلى الوراء, واستدار كل من في الساحة تجاههما, وأصبحا محط أنظار الجميع. كانت كمن يريد التسلل في الظلام, ثم تسلط عليه الأضواء بشدة ويقف مكشوفا أمام الكل.
"نحلة.... إنها نحلة..... لسعتني نحلة" قالت وهي تتلعثم.
كانت يدها اليسرى تحتضن اليمنى, وتحاول عصرها. بدأت اللسعة في الانتفاخ في الحال, لكنها لم تكن تشعر بالألم بقدر ما كانت تشعر بالذهول.
من أين جاءت هده النحلة؟
سؤال كان يتردد صداه عميقا بداخلها , في هده اللحظة بالذات, ولهده اليد بالذات,
"هل تشعرين بالألم؟ هل أنت بخير؟"
أصوات اختلطت عليها, ووجوه باهتة تقترب منها, تنظر إليهم, وتهز برأسها, تسمع نصف الحديث ولا تسمع الأخر... ثم تفرقوا.
لو رأت دلك في فيلم هوليودي, لظنته مبالغة من المخرج. لكن هدا كان حقيقة. حقيقة عاشتها الآن , تواصل من نوع خاص, حدث بينها وبين القوة العظمى التي تحكم هدا الكون. الرسالة كانت واضحة: لا تعطيه شيئا لا تبيعي نفسك, ابقي على مبادئك.
النحلة لم تمت, فقد لسعتها فوق العظم الصغير الذي يوجد فوق الإبهام مباشرة, ولم تدخل الشوكة إلى الداخل.
ما حدث بعدها لا تتذكره, كان هناك اجتماع ,جدول أعمال....
انتهى كل شيء, ومشت إلى ركنها الركين في السيارة, وألصقت وجهها بزجاج النافدة والعالم يجري إليها في طريق العودة. و السؤال لازال يرن في أدنيها و قلبها و كل حواسها:
من أين جاءت هده النحلة؟
كانت تنزل من السيارة التي تقلهم إلى المدرسة حيث تعمل, أغلقت الباب وراءها ورفعت رأسها لتبدو لها من بعيد" المجموعة "واقفة مع السيد المدير.
لقد سبقنا البعض, همست لصديقتها التي نزلت من الجهة الأخرى.
الله يخرج هاد النهار على خير
خطواتها كانت تتباطأ كلما اقتربت من باب الإدارة, و هي تحاول جاهدة الا تنغطس قدماها في تلك الرمال المتراكمة في الساحة, و أن تركز أكثر في مشيتها. رأسها كان منحنيا إلى أسفل, و مرة بعد أخرى كانت ترفعه لتجد تلك العيون الملتصقة بالحائط تراقبها خلسة. اغلبها متكئا يبحث عن الظل في هدا اليوم القائظ من شهر شتنبر ,و المديرالتربيعي الشكل المميز بوجهه المفلطح وشعره المشتعل شيبا, يرفل بينهم بسروال قديم و قميص باهت قصير الأكمام.
من المؤكد أن ثمنهما لا يتجاوز بضع دراهم في الجوطية , حدثت نفسها وهي تقترب منهم
أصبحت تكره أيام هده الاجتماعات, كل واحد يراقب الأخر, كل واحد يخاف من الأخر, كل كلمة تقال تحتسب, كل حركة تقوم بها إما لك أو عليك. عمل صعب أن تشعر بأنك مقيد, وهي تعبة , مرهقة....
أنها تسبح ضد تيار عنيف مند ما يقارب ثلاث سنوات, تململت في مشيتها, تشعر بتوتر و بشرارات الاستهزاء و الكراهية تنبعث من عينيه و عيون المتملقين إليه...
لم لا انضم إلى القافلة
سؤال بدا يطرح نفسه بحدة في الآونة الأخيرة, من يقبل أن يبيع نفسه, فأي ثمن ستدفعه له سيكون بخسا. هدا ما يقوله المغاربة الأحرار, لمادا لا تشترينه؟ لمادا لا تعطينه ما يرغب به؟ بضع دراهم أو آلاف و ستصبحين من الفئة المحظوظة التي تحوم حوله و ستعملين في أجواء مريحة و ستعودين إلى أطفالك وزوجك في المساء مبتسمة و ضاحكة غير حانقة و غاضبة.
هدا الرجل القادم من أقصى شرق المغرب إلى أقصى غربه, ليملئ(قرابه) كما يقول, رجل غريب؛ سنتين أو ثلاث هي ما يفصله عن التقاعد؛ ما كف عن قول دلك مند قدومه يسكن في هده المدرسة النائية , كل من يعمل هنا يأتي صباحا ويعود إلى المدينة, إلى بيته, بعد الزوال, في رحلة يومية ممتدة إلى سنوات وربما إلى الأبد.
الكل يعود إلى حيث الأولاد, او الزوجة ,أو الزوج والأهل. وينسى معاناة السفر اليومي بمجرد دخوله إلى بيته. لكن هدا الشرقي الدي يعتز بشرقيته لدرجة احتقاره لغربية الآخرين, قرر أن يسكن هنا و يشرب ماء البئر غير المعقم, و يتناول طعامه في أواني شبه مغسولة ,و ينام على طاولات الأقسام بين أحضان كل الحشرات المتجولة في الغابة المحيطة بالمدرسة.
هدا هو مديرنا "أرجوكم ضعوني في إطاري"و هدا ما يكرره دائما بمناسبة أو بدونها, إطاره كمدير. وكأنه يقول "أرجوكم املئوا جيوبي بالنقود وألا ملئت ملفاتكم الإدارية بالاقتطاعات والاندارات والاستفسارات... قرابي لا يزال فارغا وهو لن يمتلأ أبدا, هاتوا ما لديكم. "
"السلام عليكم". قالتها بعد أن وجدت نفسها أمامهم, بعضهم ردها, و بعضهم تحركت فقط شفتيه, كأنه يهم بقول شيء ما, ثم عادت لتلتصق ثانية مع بعضها البعض. أما البعض الأخر فقد بقي جامدا وكان لا احد وصل أو جاء أو سلم.
"أنا لا أريد الكلام مع هده"وأشار إليها "كرشها كبيرة"
"أنا أم أنت يا دو البطن المنتفخة بأموال الحرام"همست لنفسها وقالت بصوت مسموع"مادا هناك يا استاد؟ لمادا؟ ما الأمر؟"
"ألا تعرفين مادا؟ لقد ولدت على خير, وأقمت حفلا ولم تقومي بدعوتي. ألا تذكرين؟"
في تلك اللحظات السعيدة التي عاشتها وهي ترى دلك الصبي الوسيم بين ذراعيها. أخر شيء كان يمكن أن تفكر به, هي أن ترى وجهه القبيح . لم يكن كذلك سوى بأعماله السيئة, انه مثال للخبث والشر, إنها بعمر إحدى بناته وهو لا يرحم أحدا. اعملي ما طاب لك العمل. واضبي و اتعبي أمام الله. لكن ترقياتك انسيها تماما, بل احذري أن تتراجعي في درجاتك أو سلمك مع هدا المدير الشرير. فقط لأنك لم ترمي له بشيء...
"في النصاف, إلى بغيتي نخلصو نخلصو واخا أنا كلت راك فبركان, ف الصيف وماغاديش تقدر تجي. أنا نجيب ليك حقك قدام الاساتدة كاملين."هتفت بأمانة من يريد الخلاص فقط
"أنا لا أريد أكلا وفوق هدا لن آكل طعامك أنت بالذات"
"فلتأكل السم إن شاء الله يا دو الوجه المفلطح"ترددت كلمات الجملة الأخيرة في أعماقها دون إن تستطيع الخروج. وتابعت"اعرف ما تريد, أنت لا تريد أكلا. أنت تريد مالا. وقد ضقت درعا ببخلي. إني ادعوك لله رب العالمين."
كان وجهها قد أصبح احمرا, وشعرت بالخجل والتوتر أمام الجميع, فهاهي تعرض عليه إن تجلب له نصيبه من الوليمة, ولكنه يرفض بتعنت.
"استاد هل يمكن أن أكلمك دقيقة على انفراد"خرجت الكلمات واضحة وبأدب بالغ.
تحرك من مكانه, و تقدم بضع خطوات إلى مساحة فارغة بين قسمين, تبعته بخطواتسريعة. إنها ورقة من فئة مائتي درهم, زرقاء سماوية كصفاء سماء دلك اليوم. أحكمت فبضتها على الورقة, يجب أن تتخلص من هدا العذاب اليومي, لمادا أوجدت النقود؟ أليس لتشتري بها راحتها. و ستفعل دلك...... الان.
ثلاث سنوات من الصراع ستنتهي هدا اليوم. هده اللحظة ستعطيه ما يرغب به و ستنضم إلى قافلة من احتقرتهم من قبل. ستصبح مثلهم. لان هدا العالم غابت فيه العدالة, وغاب فيه الشرف, وكل رموز الفضيلة. إنها كالقادمين من عالم أخر, تبا لكل تلك الكتب التي التهمتها و هي صغيرة ... وهي كبيرة. فقد عمقت فيها الإحساس بان لا حياة دون كرامة أو مبدأ. لكنها جعلتها تعيش, و هوة ساحقة تفصلها عن العديدين. إنها معزولة, وحيدة لا تعرف كيف تتملق كالآخرين لا تعرف كيف تكذب كالآخرين.
"آدا أجمعت الجماعة انك اعمي فاحمل عكازك"قالها لها مدير سابق حكيم في محاولة لنصحها بالا تسبح كثيرا ضد التيار. تتذكر أنها بقيت مندهشة لفترة و هي تسمعه يقول دلك"ألهده الدرجة أرى بعيوني, ولكن ادا قال الجميع أني عمياء يجب أن أتصرف كالعميان يجب أن ادعي أني لا أرى"
"نعم مادا هناك؟"مادا تريدين؟"
أفاقت من أفكارها لتجد نفسها وجها لوجه أمام كتلة الشعر البيضاء , كانا لا يزالان في ساحة المدرسة. وبعض الاساتدة يتوافدون والمجموعة الأولى تقف غير بعيدة عنهم, يتكلمون ويتبادلون المجاملات و الابتسامات باقتضاب.
شعرت بالعرق يتسرب باردا إلى يدها وهي تقبض بشدة على الورقة المالية.
"استاد انا لم أقم بدعوتك.....
كانت تحاول التكلم بسرعة, وكأنها تريد التخلص من كلمات حبيسة, و يدها ترتفع في نفس الان في اتجاهه, لتسلمه الورقة. لكن فجأة تحولت الكلمات والحروف المبعثرة إلى صرخة الم مدوية
"ااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ااي"
رجعت يدها إلى الوراء, واستدار كل من في الساحة تجاههما, وأصبحا محط أنظار الجميع. كانت كمن يريد التسلل في الظلام, ثم تسلط عليه الأضواء بشدة ويقف مكشوفا أمام الكل.
"نحلة.... إنها نحلة..... لسعتني نحلة" قالت وهي تتلعثم.
كانت يدها اليسرى تحتضن اليمنى, وتحاول عصرها. بدأت اللسعة في الانتفاخ في الحال, لكنها لم تكن تشعر بالألم بقدر ما كانت تشعر بالذهول.
من أين جاءت هده النحلة؟
سؤال كان يتردد صداه عميقا بداخلها , في هده اللحظة بالذات, ولهده اليد بالذات,
"هل تشعرين بالألم؟ هل أنت بخير؟"
أصوات اختلطت عليها, ووجوه باهتة تقترب منها, تنظر إليهم, وتهز برأسها, تسمع نصف الحديث ولا تسمع الأخر... ثم تفرقوا.
لو رأت دلك في فيلم هوليودي, لظنته مبالغة من المخرج. لكن هدا كان حقيقة. حقيقة عاشتها الآن , تواصل من نوع خاص, حدث بينها وبين القوة العظمى التي تحكم هدا الكون. الرسالة كانت واضحة: لا تعطيه شيئا لا تبيعي نفسك, ابقي على مبادئك.
النحلة لم تمت, فقد لسعتها فوق العظم الصغير الذي يوجد فوق الإبهام مباشرة, ولم تدخل الشوكة إلى الداخل.
ما حدث بعدها لا تتذكره, كان هناك اجتماع ,جدول أعمال....
انتهى كل شيء, ومشت إلى ركنها الركين في السيارة, وألصقت وجهها بزجاج النافدة والعالم يجري إليها في طريق العودة. و السؤال لازال يرن في أدنيها و قلبها و كل حواسها:
من أين جاءت هده النحلة؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى